لكي يكون تناولنا للتنشيط بشكل علمي منهجي يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الجانب العملي في المجال و الذي يتطلب 3 شروط أساسية وهي:
1- موضوع واضح ودقيق
2- منهجية بحث خاصة به
3- مفاهيم أو مصطلحات خاصة بالمجال
و بالتالي فيمكن تحديد موضوع الممارسة التنشيطية في مجال تدخلها ومجال تخصص الأفراد الفاعلين فيها وهي " التنشيط الاجتماعي التربوي للشباب" عوض " التنشيط الاجتماعي الثقافي" و الذي كما نعرف جميعا أنه اختصاص ومجال قائم الذات وتختلف ممارستنا عنه بشكل كلي، و إن كثرة التداخل في التعاطي حول هذا الموضوع خاصة في الندوات التي نظمتها جمعية قدماء بئر الباي و التي كان جل المتدخلين فيها من المختصين في علم الإجماع الثقافي أو خريجي بئر الباي والذين واصلوا دراستهم في علم الاجتماع مما كاد يطبع التنشيط الشبابي بطابع التنشيط الثقافي و نكاد نكون وجهين لعملة واحدة والحال أن الاختلاف بين الممارستين كبير جدا. ومن هنا نورد هذا الطرح للفروق بين المجالين أو الممارستين.
1- التنشيط السوسيوثقافي
ينطلق بيار مولينيي في تحديده لمعنى التنشيط السوسيو ثقافي من خمس معان كبرى للكلمة:
1 التنشيط بمعنى حالة أو واقع فعلي، ويستخدم كنعت لوصف وضع معين كأن نقول مدينة منشَطة أو شارع منشَط وهنا يكتسب طابعا تلقائيا، أي هو نابع من طبيعة ذلك الواقع ولا يحتاج إلى تدخل خارجي.
2 التنشيط بمعنى التدخل أو الفعل لإحداث ديناميكية أو للتوجيه أو للتعبير وبهذا المعنى التنشيط هو عمل موجه يقوم به الفرد أو جماعة لتحقيق هدف معين.
3 التنشيط بمعنى المادة أو الإنتاج وله في هذا الاتجاه أشكال متعددة: المهرجانات، الأسابيع التجارية، العروض الفنية، الحفلات.
4 التنشيط من حيث أنه تقنيات بيداغوجية مصوَغة ومحددة تهم جمهورا ضيقا في حالة تلقي تكوين ما يعتمد على وسائل وتقنيات.
5 يمكن أن يحمل التنشيط معنا مؤسساتيا، أي مجموعة من الممارسات لها خصوصياتها و مضامينها ووسائل عملها (ميزانية، أعوان...)
ويحدد موليني مقابل هذا المعاني مكونات حقل التنشيط وهي:
• المجال الجغرافي: مدينة، ريف، حي، شارع
• المضمون ويتضمن ثلاثة أصناف:
المضمون الثقافي أو الفني: موسيقى، مسرح، سينما...
المضمون الاجتماعي: إرشاد وتوجيه اجتماعي، بحوث اجتماعية، المحافظة على البيئة.
المضمون الجسماني: التربية البدنية، التعبير الجسماني..
• الجمهور: نساء، أطفال، مسنون، معاقون، شباب
• المؤسسة: وتتضمن بدورها ثلاثة أصناف
- المؤسسات والمراكز الثقافية المختصة وهي تؤدي غالبا مهمة محددة متخصصة( متحف، مكتبة، أرشيف، قاعة سينما..)
- المراكز والمؤسسات الثقافية متعددة الاختصاصات، دور الشباب، دور الثقافة
- المؤسسات غير الثقافية: مستشفى، مركز تجاري...
كمت يعتبر مولييي أن التنشيط الثقافي يتجسم في مجموع الأنشطة الهادفة إلى إتاحة الفرصة للقاء بين أفراد المجموعات وتحسيسهم بتراثهم الثقافي قصد تسهيل تلاؤمهم (وخاصة الشباب منهم) مع محيطهم ومشاغل عصرهم، كما تسعى إلى جعل المجموعة تعيش ثقافتها الخاصة مقابل الثقافة المفروضة والمكتسبة وذلك بمشاركتها الفعَالة والمبدعة في برامج المراكز التنشيطية.
وقد تمت بلورة هذا المفهوم بأكثر دقة في لقاء هسنكي سنة 1972 الذي تبنى التعريف التالي" التنشيط الثقافي هو جملة العمليات التي تهدف إلى إقامة تأصل خلاق داخل المجموعة وبين الأفراد والثقافة وتسعى إلى ضمان المشاركة المبدعة والتلاؤم مع عالم متغير ومتحرك.
أما جون شربنترو و - آخرون 1964 فيعتبرون أن " التنشيط السوسيو ثقافي" يندرج في إطار تحرر جماعي ومسألة تحديد تعريف واضح ومحدد للمصطلح صعبة بسبب ثرائه وتنوعه، فالتنشيط السوسيوثقافي يتمثل أساسا في إتاحة إمكانيات ثقافية على أكبر نطاق ممكن من حياة الأفراد مع تشريك أكبر عدد ممكن من الناس
2- التنشيط الاجتماعي التربوي للشباب
التنشيط الشبابي هو كل ممارسة تربوية اجتماعية مع مجموعة من الشباب من أجل تمكينهم من كفايات ومهارات وقدرات تستهدف تنمية الجانب الوجداني والمعرفي والحركي والاجتماعي وتيسير اندماجهم داخل المجموعة والمجتمع وتنمي التّواصل وتهيكل وتنظم الحياة الاجتماعية للجماعات الشبابية.
إن التنشيط الشبابي فعل تربوي واجتماعي يتميز بالبنائية والحراك فهو عملية مفتوحة ومنفتحة على الجديد، وهي متطورة ومتجددة ولا تتوقف. تسعى إلى تمكين جماعة الشباب من منهجيات لاكتساب المهارات والكفايات اللازمة لفهم الواقع وتحليله وبالتالي القدرة على استيعاب واستبطان المكتسبات والتعلمات وتوظيفها لحل الإشكاليات التي تطرح عليهم وتجاوزها وبالتالي فهو طريقة للعمل والفعل في الواقع، كما أنه ممارسة اجتماعية يتم خلالها استيعاب ما هو فردي جزئي لدى الأفراد وتمكين المجموعة من التعرف على نفسها وتقسيم الأدوار فيما بينها وتحمل المسؤولية في إطار ذلك والتعبير عن الحاجيات وتلبيتها والتنظيم الذاتي للمجموعات.
للتنشيط الشبابي دور هام في التكامل مع التربية النظامية، إذ يعد الفعل الداعم للتربية داخل مؤسسات التعليم بمفهوم الإتقان والتدعيم، ويعد مكونا من مكونات بنية هذا الفعل من منظور الممارسة الميدانية، ذلك أنه ممارسة بيداغوجية فعالة في فسح المجال أمام الجماعات الشبابية لمزيد تعميق التكوين والممارسة التطبيقية لعديد المواد والتقنيات فهو فضاء للتعلم يعنى بالجانب الوجداني والاجتماعي لدى الشباب وهو مجال لممارسة الحياة داخل المجموعة من خلال إعطاء معنى للأنشطة الجماعية وإعطاء الفرصة للشباب لتحمل المسؤولية وتقسيم الأدوار، حين تقدم الأنشطة للشباب في صيغ ومقاربات متنوعة وهادفة مثل النشاط بمقاربة المشروع .
يهدف التنشيط الشبابي كممارسة إلى إعطاء الشباب مكانة هامة في المجتمع ودمجه فيه من خلال مساعدته على الإسهام في اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول والمشاركة في التنمية المحلية والوعي بالرهانات الوطنية والعلمية المطروحة وبالتالي تمكينه من قدرات التفكير وإيجاد الحلول. فالتنشيط الشبابي يكون بذلك ممارسة تسعى إلى تحقيق حالة من التوافق بين الشاب ومحيطه.
والتنشيط التربوي الاجتماعي للشباب مجال للمرح والاستمتاع بالوجود يضمن الحق في الترويح عن النفس وفي اللعب والحبور بعيدا عن مختلف أشكال الضغط والضبط الاجتماعي والنظام المفرط في الزمان والمكان والحركة وبهذه يكون التنشيط ممارسة متداخلة الاتجاهات متعددة الوظائف والأدوار متنوعة المنهج، ممارسة تضطلع بها مؤسسة الشباب بقدر من النجاعة والكفاءة وترتبط بقدرتها على ربط شبكة من قنوات الاتصال مع الشباب واستدامة الحوار معهم والإنصات لمشاغلهم والدخول في تفاعل متعقل مع مستجدات المشهد الشبابي يتميز بالجرأة والموضوعية واحترام حميمية الحياة الشبابية كما ترتبط أيضا بقدره العاملين في المؤسسة على النجاح في انتهاج طرق فعالة كالعمل الشبكي والعمل بطريقة المشروع والتصرف والتخطيط حسب الأهداف وغيرها.
التنشيط التربوي الاجتماعي للشباب ممارسة توفر للشباب فضاء للحرية والتعبير والانطلاق وفرصة للتواصل والتعبير والحوار بعيدا عن كل أشكال الضغط والرقابة فضاء يختلف عن غيره من الفضاءات الأخرى فيتفرد بمراعاة الخصوصية النفسية والاجتماعية لفئة الشباب ويتميز بالديناميكية والحراك والتطور ويمكن الشباب من فرص الخلق والإبداع والنماء.
والتنشيط الموجه للشباب فضاء اجتماعي للتعلم الذاتي Co-auto-Apprentissage) لما يسمح به في إطار الأنشطة بأشكالها المختلفة من فرص المحاولة والخطأ وتشجيع التجربة الفردية والجماعية سبيلا للتعليم ويعتمد المعاودة أداة لتجويد المهارة وترسيخ المعرفة وبالتالي فهو يؤكد على النشاط الذي يقوم به الشباب لان التنشيط يهيئ الشاب للحياة الاجتماعية عن طريق تحميله المسؤولية في التخطيط والتصور والممارسة للأنشطة بدار الشباب.
التنشيط الشبابي ينبع من حاجيات الشبان ورغباتهم النفسية والاجتماعية والتربوية وقد أكد كلابراد وبياجيه على أهمية الحاجة في اكتساب أنماط المعارف والمهارات فهي عملية بنائية يقوم بها الشاب إنطاقا من نشاط فاعل داخل المحيط، وقد تقوم على التجريب والنشاط الفعلي للشاب الذي أصبح مركز الممارسة التنشيطية يقول كلابراد "انه من الواجب أن تكون الطرق والمناهج هي التي تحوم حول المتعلم لا أن يكون هو الذي يحوم حول برامج قد ضبطت بمعزل عنه".
إن التنشيط التربوي الاجتماعي للشباب انطلاقا من كل هذه الوظائف والمضامين والرهانات، ولكونه فعل تفاعلي وسياق تواصل مع الشباب، فإن صيغه ومقارباته تتطلب بحثا وتجديدا متواصلين لتتموقع المؤسسة الشبابية موقعا فعَالا في سياقها الاجتماعي العام، ويكتسي نشاطها صبغته الشرعية المطلوبة اجتماعيا، حراك يقتضي مراجعة مستمرة لهذه المقاربات نظرا لما يتسم به المشهد الشبابي من تغير مستمر وتأثر بالغ بما يعيشه العالم من تحولات متسارعة. إن التنشيط فعل تربوي حي يقطع مع أشكال التنميط والرتابة والجمود، يعانق الإبداع وتتجمع فيه عناصر متعددة من أبرزها حرية الفعل والمبادرة وبناء الذات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق