الخميس، 14 يناير 2016

المقاربة التشاركية في الفعل التنموي : بعض المبادئ و التوجيهات




المقاربة التشاركية في الفعل التنموي : بعض المبادئ و التوجيهات 
بوحمى ربيعة
I-           الإطار العام
تنبثق عن الحديث عن العمل الجماعي تساؤلات عديدة مرتبطة في جوهرها بالشروط الواجب استجماعها أو استصدارها لتمكين مجموعة من الدفاع عن مصالح أعضائها من جهة وبميكانيزمات استصدار الوعي بالمصالح المشتركة المولدة للفعل الجماعي من جهة أخرى.  
ويؤكد عالم الإجتماع الاقتصادي، الأمريكي ما نكور أو لسون في كتابة " منطق الفعل الجماعي " أنه لايكفي لأشخاص عينين أن يتقاسموا مصالح مشتركة للعمل معا " ليخلص إلى أن الفرد ( منطقيا ) ليس شديد الحرص على العمل المشترك باعتبار  الاستفادة من نتائج هذا العمل ليست مرتبطة بالمشاركة الفعلية، فإن الفرد يرنو منطقيا إلى سياسة الراكب الخفي: Passager clandestin   الذي يستفيد من استثمارات الآخرين.
  هذه هي مفارقة الفعل الجماعي والتي تجرنا إلى الحديث والبحث عن منطق العمل الجماعي بتجاوز منطق العمل الفردي. ومن هنا تظهر جليا أهمية التحفير والبحث عن آليات تعبوية تمكن من تقليص هذه المفارقة.
II  - بعض أوجه إشكالية المشاركة ومستوياتها
المشاركة هذا المصطلح الجديد، القديم الذي راجت له تفسيرات واسعة ومختلفة وإن أجمع الفرقاء على كونها أحد أهم ركائز نجاح أي فعل يتوخى التغيير سواء تعلق الأمر بتغيير المفاهيم، المواقف أو التصرفات أو بتغيير وضعية ( اقتصادية، اجتماعية )
ويعود الاختلاف في تعريف المشاركة إلى تقطتين أساسيتين   :  
1.          مستوى أو مرحلة الإشراك
2 .         تمثيلية المشرك.
 ففي ما يتعلق بالنقطة الأولى تتحدد مستويات أو مراحل الإشراك في خمسة وهي:  
1.     مشاركة قاصرة على فئة معينة ( ممثلين منتخلين )
2.  مشاركة يطلب فيها من الفئات المستهدفة المصادقة لإضفاء الشرعية على مشروعات حددتها وصاغتها هيئة معينة ولكن المستهدفين لا يشاركون لا في التخطيط ولا في الإدارة؛
3.   مشاركة تستشار فيها الفئات المستهدفة من البداية وتتيح لها أيضا فرصة    المشاركة بصورة فعلية في التخطيط والإدارة.
4.   مشاركة تجد فيها مختلف الفئات المستهدفة مكانها في جميع آليات التخطيط، التنسيق والتقييم التي يتم وضعها على مختلف المستويات بما في ذلك أعلى مستوى لرسم السياسات؛
5.   مشاركة تتيح لكل الفئات أن تتحكم من الناحية الفعلية في القرارات وعلى جميع المستويات؛
  وقد أبانت التجربة أن المستويين 4 و 5 لازالا شبه منعدمين كما أن المشاركة على المستوى الثالث لازالت أمرا ناذرا، أما فيما يخص تمثيلية المشرك فإن التساؤلات المطروحة مرتبطة في جوهرها بمستويات ولوج المجموعات المختلفة إلى قنوات التعبير وإبداء الرأي، خصوصا لما يتعلق الأمر بالمجموعات المقصرة (النساء، الأطفال، المعاقين، الفقراء) ومن هنا تظهر جليا أهمية إدماج مقاربة النوع إبان التشخيصات الأولية.
 III  - تعريف للمشاركة
  وحتى نتمكن من الحديث عن أدوات الإشراك أو الميكانيزمات الكفيلة بتفعيل مشاركة تامة وتطوعية للفئات المستهدفة وإن أصبح هذا المصطلح محط نقاش اعتبارا أن الحديث عن المشاركة الفعلية يقتضي تغييره لأنه يحمل في طياته مقاربة تفترض وجود عنصر فاعل وعنصر متلق هو موضوع التغيير.
ويستحسن استبداله بمصطلح الشركاء المستفيدين. ويمكن تعريف الشركاء المستفيدين على أنهم مجموعة مجتمعية أو وحدة معرفة يتواجد أعضائها في نفس الوضعية أو في وضعيات متماثلة من حيث الموارد المتوفرة والإرهاصات التي يواجهونها من أجل الإنتاج والعيش.
وبالرجوع للحديث عن المشاركة وآلياتها فكثيرا ما يتم تصورها على أنها وسيلة تغيير، بينما هي في حد ذاتها أحد أوجه التغيير، لأن الإيمان بالمشاركة يقتضي   معرفة   الآخر   و الاعتراف بحقه في التأثير على صيرورة الأشياء
ويمكن تعريف المشاركة على أنها منظومة تواصل بين مختلف الفاعلين تساعد حاملي التغيير والفئات المجتمعية الأخرى على إيجاد نقطة التقاء لبلورة رؤيا مشتركة للتغيير سواء من حيث تصور مضمونه، برمجته، تفعيله ثم تقييم نتائجه.
أهداف المقاربة التشاركية
برزت المقاربة التشاركية كبديل قوي عندما استنفدت المقاربات التقليدية (السياسوية-الإدارية والتقنوية) طاقاتها وأبانت عن محدوديتها في حل المشكلات التنموية.
وتظهرأهمية المقاربة التشاركية بالمقارنة مع المقاربات الكلاسيكية من خلال:
تعيين
المقاربة الكلاسيكية
المقاربة التشاركية
تنظيم
متمركز تابت، ومنغلق
لا مركزي، ديناميكي ومنفتح
الإجراءات
تابثة، متصلبة وغامضة
مرنة، واضحة وسهلة التكييف
منظومة أخد القرار
عمودية  من أعلى إلى أسفل
صاعدة ( من أسفل إلى أعلى)
تواصل
إخبار، أوامر
حوار
العنصر البشري
منفذ
فاعل – خلاق
جمع المعلومات
الاستثمارات،  الإنسان مجرد مصدر للمعلومات
عبر اللقاء المباشر,الحوار والملاحظة
التخطيط
الرؤساء والاختصاصيين
الفئات المستهدفة وطاقات أخرى
الحلول
توجيهية , عامة وثابتة
خاصة – متفاوضة – ملائمة
الأخطاء المنهجية
غير معترف بها
مصدر تعلم وتحسين  مرد ودية
منهجية
تابثة
استنباطية، قابلة للتأقلم
الفئات المستهدفة
أحد عوائق التنمية ( الجهل، الركود، عدم الرغبة في التغيير )
فاعل في تصور  الحلول و تفعيل التغيير
  لذا فالمقاربة التشاركية تمكن من:
1-    إشراك المستفيدين في تحديد وتشخيص مشاكلهم الحقيقة.
2-    مساهمة كل الأطراف الفاعلة في صياغة وإنجاز وتقييم المشاريع 
3-    استثمار ا لمعارف التقليدية
4-    جعل المشاريع أكثر مطابقة وملائمة للواقع.
    V  - بعض خصائص المقاربة
 من أهم خصائصها كونها:
1-   تعطي الأولوية للبعد البشري في التنمية وذلك انطلاقا من كون الإنسان فاعل في التنمية، مما يعطيه الحق في الاشتراك في السلطة واتخاذ القرار.    
2-    تحرص على استجماع الظروف الملائمة لخلق  تفاعل إيجابي بين البيئة والإنسان في إطار تدبير محكم للموارد
3-    لا تشجع الفعل الأحادي، وهذا لا يعني إغفال المجهود الفردي، والذي تعيره المقاربة عناية كبرى لأن الطاقة الشخصية خلاقة بطبيعتها و يجب أن تصب كرافد داخل المجهود الجماعي.     
4-    اختيارية ترتكز على معيار الاقتناع: يمكن الولوج إليها ويمكن الانسحاب منها.  
5-    تكوينية: مبنية على المبادرة والانطلاق من المعارف والقدرات الذاتية متجاوزة بذلك التكوين المبني على التلقين إلى تفتيح أفاق التفكير والقرار والإنجاز الذاتي.  
6-    مستقبلية : تأخذ بخاصيات الحاضر لاستشراف المستقبل، فرغم استحضارها للمعرفة التقليدية فهي ليست ماضوية.  
7-    تساؤلية : منفتحة تعتمد المشورة والحوار.  
8-  ديمقراطية ومواطنة : تؤمن بتبادل المنافع على أساس  تعاقد اجتماعي ينطلق من قواعد متفق عليها.
 رغم النجاحات التي حققتها المشاريع المستوحاة من نتائج عمل تشاركي بالمقارنة مع المشاريع المبرمجة تقليديا (بطريقة عمودية) إلا أن منهجية العمل التشاكي لها أيضا سلبياتها فقد تؤدي إلى:
 - خلق أنتظارات عند الساكنة قد تصعب الاستجابة لها حاليا,
 -  إبراز تناقضات بين أولويات الساكنة المحلية و حاملي المشاريع (إدارات, جمعيات, منظمات دولية,......)
-  إبراز أخطاء تستلزم التغيير المباشر, خصوصا لما يتعلق الأمر بأنشطة قيد الإنجاز,
-  جعل الشقاقات و النزاعات الكامنة تطفو على السطح,
هذا علاوة عن ارتفاع كلفتها من حيث الموارد البشرية المؤهلة و الجهد  الذين تتطلبهما
VI  - بعض آليات المشاركة
ترتبط آليات المشاركة في مجملها بأربعة عناصر أساسية:
1.   طريقة تنظيم وعمل حامل التغيير؛
2.   علاقته مع الشركاء المستفيدين
3.   العمل مع هؤلاء الشركاء
4.   العمل لأجل الشركاء.
  6-1          طريقة تنظيم وعمل حامل التغيير
إن نقطة الانطلاق الأولى لأي حامل تغيير معين يرغب في تفعيل مبدا المشاركة هي الاقتناع بجدواها سواء تعلق الأمر بروح الديمقراطية أو بنجاعة المشروع الذي يحمله لذا فإن تنظيمه وطريقة عمله يجب أن يؤهلانه لذلك. وهذه بعض أوجه التنظيم المؤهل:
1.   تنظيم العمل في إطار مجموعات
2.   إيلاء الأهمية إلى أدوار التنسيق أكثر من أدوار القيادة.
3.            عقد شراكات
 6-2   علاقة حامل التغيير مع الشركاء المستفيدين.
تلعب علاقة حامل التغيير مع الشركاء المستفيدين دورا حيويا في استجماع ظروف مشاركة فعالة، وتنبني هذه العلاقة على أسس مرتبطة بتحديد هوية هؤلاء الشركاء من جهة وتحديد مجالات العمل والتعاون معها والأهداف المتوخاة منه من جهة أخرى. لذا يجب العمل على:
1.    المعرفة الدقيقة للمجموعات المكونة لفئة الشركاء المستفيدين، لأن هؤلاء لا يمثلون حتما فئة واحدة متجانسة: وتقتضي هذه المعرفة تحديد الهوية وتحديد مواصفات كل مجموعة ( اجتماعية اقتصادية، ...).
2.   اعتماد لغة ومبادئ مشاركة ويكتسي التوافق على المفاهيم أهمية خاصة في هذا المجال
3.   تحديد واضح للأهداف والانتظارات
4.   تحديد واضح للمسؤوليات والأدوار
5.   التوافق على ما سيتم تقييمه ( درجة تحقيق التغيير ووسائل التقييم ).
6-3  العمل مع الشركاء المستفيدين
تقتضي ميكانيزمات المشاركة أيضا وضع منهجية عمل وتعامل مع الشركاء تمكن من:
1.   إرشادهم وإقناعهم بضرورة التغيير، ففي كثير من الأحيان تعيش الفئات المقصرة أو المهشمة وضعيتها بعفوية تامة ولا تتصور لها بديلا بل تعتبرها قاعدة اجتماعية لا مفر منها لحد إعطاءها قوة القانون أحيانا.
2.   تحديد ووضع آليات لبلوغ هذه الفئات والتواصل معها
3.   تحديد العوائق التي تعيشها وحاجياتها والحلول الممكنة
4.     العمل من أجل تهيئ الشركاء المستفيدين
  يمر تأهيل المستفيدين للعب دور الشريك الفاعل أساسا عبر تقوية قدراتهم على التواصل والمفاوضة ب:
1.   توفير معلومات دقيقة عن هؤلاء الشركاء وعن وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأوجه التشابه والاختلاف بين فئاتهم المكونة.
2.   تحسين ولوج كل المجموعات إلى هذه المعلومات
3.   العمل على توفير التكوين المرتبط بروح التغيير المرتقب.
4.   تثمين الأشكال التقليدية والقدرات التنظيمية والتفاوضية للشركاء
تكوين أطر قادرة على أخذ أدوار ومسؤوليات ومعارف كل المجموعات بعين الاعتبار في بلورة تصور التغيير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق