الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

مميزات الحقل الجمعوي بالمغرب

مميزات الحقل الجمعوي بالمغرب


يعرف العمل الجمعوي اليوم صحوة كبيرة في أغلب بلدان العالم بشكل أصبح معه علماء الاقتصاد والاجتماع يعتبرونه النسق الثالث داخل المجتمعات لما يقوم به من مهام تنموية اقتصادية وإنسانية، أصبح ينافس الأحزاب السياسية في مشاريعها ويشترك مع الدولة أو يتحمل جزءا من أعبائها في مشاريع شتى.


في المغرب عرفت الحركة الجمعوية تطورا ملموسا في العقدين الأخيرين، يترجم ذلك تكاثر الجمعيات وازدياد الحاجة للتجمع والتفكير الجماعي بغية حل مشاكل بشكل تشاركي تفاعلي بين كافة الأطراف التي تقيسها هذه المشاكل. هذا التكاثر والتنوع في النسيج الجمعوي أدى إلى تطوير تجربة الاشتغال وتنوع الخدمات المقدمة، حيث بدأت تظهر خدمات جديدة موجهة بشكل مباشر نحو المواطنين ومرتبطة أساسا بقيم الديمقراطية والمواطنة وتسعى إلى محاربة الفقر والأمية في أفق تنمية مستديمة.
وقد انعكس دور العمل الجمعوي في العقد الأخير من خلال طرح التصريح الحكومي لحكومة التناوب حيث أكد الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي على أهمية الخدمات الجمعوية ودورها الهام في تأطير المواطنين. كما يمكن اعتبار اشتغال العديد من الجمعيات سواء النسائية أو الحقوقية أو البيئية أو التنموية إلى جانب قطاعات حكومية خطوة حاسمة في الاعتراف بخدمات العمل الجمعوي.
ما ميز الخمس السنوات الأخيرة، أيضا، اهتمام الدوائر العليا أيضا بالعمل الجمعوي. فبصمات جلالة الملك محمد السادس واضحة من خلال التعامل الإيجابي مع جمعيات المعاقين وجمعيات الطفولة فخلق المرصد الوطني لحقوق الطفل ومؤسسة محمد الخامس للتضامن ... إلى غيرها من المبادرات تعكس بعمق دور وخدمات العمل الجمعوي والرغبة في تقوية وتطوير المجتمع المدني.
ما ميز أيضا العقد الأخير هو بروز الجمعيات والمنظمات الحقوقية غير الحكومية، كمنتدى الإنصاف والحقيقة، والمرصد الوطني للسجون، والجمعيات الأمازيغية إلى غيرها من التنظيمات التي أثبت فعلا وجودها ونضجها وخدماتها المتميزة.
برز، أيضا، نوع من المؤسسات التي تقدم خدمات مدنية كمؤسسة زاكورة والأمانة... تقدم خدمات تنموية اجتماعية كالقروض الصغرى ومحو الأمية... تشتغل باحترافية ودقة وتسير بخطى ثابتة نحو التأسيس لثقافة مواطنة.
كما برزت جمعيات ومنظمات تهتم بالطفل من خلال إدماجه الاجتماعي كجمعية بيتي، الجمعية المغربية لمساندة اليونسيف، الجمعية المغربية لقرى الأطفال sos، ... جمعيات توجهت مباشرة إلى تقديم خدمات للطفولة المحرومة. وجمعيات الوقت الثالث، إذا صحت هذه التسمية لأنها تشتغل داخل فضاءات دور الشباب، وهي جمعيات محلية وفروع منظمات وطنية تشتغل على محاور متعددة وخدماتها ذات طابع تربوي ثقافي.
إن ما يمكن استخلاصه من النسيج الجمعوي المغربي أن هنالك تكتلات جمعوية متباينة شكلا ومضمونا منها من يعنى بقضايا المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان ومنها من هو منخرط في الحقل التنموي يحاول تأطير المقاولة الصغرى ومنها من هو مرتبط بالمرأة والطفل ... ظهر أيضا في المشهد الجمعوي بالمغرب الجمعيات ذات المرجعية الإسلامية تركز على التربية كهدف عام لها وتؤمن أنها مفتاح كل شيء وقد بدأت تتكاثر بشكل يلفت الانتباه كما عددت من خدماتها، فمنها من يعنى بالقضايا الاجتماعية كمحو الأمية وتعليم المرأة العديد من المهارات ومنها من يشتغل في الجانب الاجتماعي التضامني والتوعوي المعتمد على الخطابة والاستقطاب.
وسنحاول بشكل مقتضب رصد مميزات وأثر هذه الجمعيات على التطورات التي يشهدها المجتمع المغربي. أول ما يميز النسيج الجمعوي المغربي هو نزوحه إلى الاستقلالية

مبدأ الاستقلالية
بعد تجربة المنظمات الوطنية والجمعيات الموازية للأحزاب الوطنية التقدمية وما نتج عنها من نقاش حول الجمعوي والسياسي، وبعد احتواء السياسي للجمعوي خلال تاريخ لا بأس به، بدأت إطارات العمل الجمعوي تفكر بقوة في استقلالية العمل الجمعوي وإظهار هذه الاستقلالية من خلال القوانين الأساسية ومن خلال الأهداف وحقول الأنشطة. كما بدأت الجمعيات البيئية والتنموية تراهن على الاستقلالية كسند وكركيزة لجلب الدعم من المنظمات الدولية غير الحكومية. ويمكن القول أن الحقل الجمعوي، خصوصا، الجمعيات المهتمة بالبيئة والتنمية والجمعيات الحقوقية والأمازيغية قد أسست مرجعياتها وفلسفتها وتعتبر استقلاليتها عن الدولة والأحزاب هي أحد عوامل نجاحها وتطورها. مقابل ذلك، بدأت تتسم خدمات جمعيات الطفولة والشباب بالتراجع بفعل تأثرها وانعكاس الصراعات السياسية والانشقاقات التي أثرت على فعاليتها وأطرها وقواعدها، على عكس الجمعيات ذات التوجه الإسلامي أو التابعة لبعض الجماعات والأحزاب الإسلامية فهي رغم عدم استقلاليتها تحاول جاهدة تأطير فئة لا بأس بها من المواطنين لاعتمادها على قيم التكافل والتضامن، يساعدها قربها من المواطنين وتمركزها في الأحياء الشعبية واعتمادها على المرجعية الإسلامية في خطاباتها.
كما تميز العقد الأخير ببداية انهيار ما سمي بالجمعيات القبلية أو جمعيات الوديان والجبال والسهول لتحول توجه الدولة إلى التعامل مع كافة الفاعلين و كافة مكونات المشهد الجمعوي. وبعدما كانت من الجمعيات المحضوضة يوما ما، وجدت نفسها اليوم، أمام مأزق الانتقال الديمقراطي الذي بدأ يقوي الجمعيات المدنية المواطنة والمستقلة.

الجمعيات والأهداف
منذ السبعينات كان لأغلب الجمعيات المشتغلة في المجال الاجتماعي والتربوي أهداف متنوعة تحتاج ربما إلى قيام منتظم وطني لتحقيق تلك الأهداف. فإذا أخذنا، على سبيل المثال لا الحصر، المنظمات الوطنية التربوية نجد من خلال قوانينها الأساسية خلل عام في صياغة الأهداف، بل كثرة الأهداف، من التربية إلى التنشئة الاجتماعية إلى تأطير المخيمات وأنشطة الهواء الطلق إلى ما هو ثقافي كتنظيم الملتقيات الفكرية الثقافية إلى ما هو بيئي ... فتعدد هذه الأهداف جعلها لا تركز في إستراتجيتها وخططها، بل استنفدت قواها المعتمدة على الحماسة والتطوع، مما دفع بالبعض منها إلى السكون وترقب المناسبات فقط، ومما دفع، أيضا، بالبعض الآخر إلى الاهتمام بالتكوين وإعادة النظر في التجربة. ومع ذلك، مازالت تؤطر فئات لا بأس بها من الشباب وتهيئ النخب والفعاليات.
وقد استفادت الجمعيات ذات الصبغة الحديثة من تراكم هذه الجمعيات ومن العلاقات مع دول الشمال ومع الفاعلين الجمعويين من أبناء الجالية المغربية لتركيز أهدافها واختيارها مجالات فعل مركزة ومحدودة تسهل عليها بناء برامجها وتضمن جلب التمويل، كما تستطيع إعطاء القيمة لما تعمله. ومن هذه الجمعيات من بدأ فعلا تقوية مكانته في المجتمع، وأغلبها في الطريق إلى تقوية وجودها.
أما الجمعيات ذات النفحة الإسلامية فأهدافها مركزة أساسا حول تربية الأطفال وتوعية المرأة بناءا على المرجعية الدينية وعلى العمل التضامني لتقوية عود تنظيمها.
محمد موافق باحث في العمل الجمعوي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق